الضحايا يفضلن الصمت بسبب خلو القوانين من معاقبة المتحرشين
النقابات رصدت 310 حالات عنف وتحرش جنسي في أماكن العمل خلال عامين
فاطمة (اسم مستعار)، تعرضت للتحرش داخل احدى المؤسسات الاهلية بالضفة، وهي واحدة من عديد النساء اللواتي رفضن الصمت عما تعرضن له من قبل مسؤوليهن في العمل، لكن ذلك انتهى بأن خسرت وظيفتها، نظرا لغياب المنظومة القانونية التي تحمي النساء من التحرش وغياب البيئة الاجتماعية الحاضنة لضحايا التحرش حيث يوجه اللوم غالبا لضحايا هذه الاعتداءات بدلاً من معاقبة الجاني، ما يجعلهن يفضلن الصمت على المواجهة.
ويعتبر التحرش الجنسي في أماكن العمل أيضا جريمة فساد، فيها استغلال للسلطة من قبل رؤساء وأرباب العمل ضد العاملات، رغم أن مصطلح التحرش الجنسي غاب عن مواد قانون مكافحة الفساد رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته.
وتقول" فاطمة " بأنها كانت تتمتع بمساحة من الأمان في وظيفتها إلى أن تم تعيين مدير جديد للمشروع الذي تعمل فيه، حيث بدأ تحرشه بها باستخدام مصطلحات مخلة بالحياء، تطورت وصولاً لحركات وتلميحات وأفعال لا يمكن تفسيرها إلا كأفعال تحرش، ما دفعها للتقدم بشكوى لإدارة المؤسسة ضده، لكن إدارة المؤسسة لم تتخذ أي إجراء ولم تحقق بذلك لكن فاطمة لم تستسلم وتوجهت لمحامٍ لرفع قضية تحرش ضد مديرها، وقد خسرت إثر ذلك وظيفتها.
ليست فاطمة الضحية الوحيدة للتحرش في أماكن العمل، فقد أعد مركز تنمية وإعلام المرأة "تام" فيلما في وقت سابق، وثق فيه حالة مماثلة تعرضت للتحرش الجنسي من قبل مسؤولها بالعمل في إحدى المؤسسات الحكومية، كما كشفت الصحفية عبير البرغوثي في تحقيق نشر في أيلول من العام الماضي 2021 عن تعرض مهندسة في أحد المجالس المحلية للتحرش الجنسي واللفظي من قبل رئيس المجلس، الامر الذي وصل محاولة الاعتداء عليها وتوج بفصل تلك الموظفة من عملها، هذا فضلا عن الحالات التي تبقى طي الكتمان حيث يؤثرن ضحايا التحرش من النساء الصمت غالبا.
وسجل الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين 310 حالات عنف وتحرش جنسي، بينها 3 اعتداءات جنسية كاملة في أماكن العمل بالقطاع الخاص خلال عامي 2020 – 2021 ووفقا للاتحاد فإن 45٪ من هذه الحالات كان مرتكبوها أرباب ورؤساء عمل.
بحسب اتفاقية القضاء على العنف والتحرش في العمل رقم 190 الصادرة عن منظمة العمل الدولية عام 2019 فإن التحرش الجنسي يُعرف بانه "نطاق من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، والتي تؤدي، أو يحتمل أن تؤدي إلى إلحاق ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي، أو اقتصادي، ویشمل ذلك الاعتداء الجسدي واللفظي، التنمر والمضايقة، التحرش الجنسي، والمطاردة، إضافة إلى أمور أخرى".
وقالت عائشة حموضة سكرتيرة دائرة النوع الاجتماعي في الاتحاد العام لنقابات فلسطين إن جولات الاتحاد كشفت عن العديد من التجاوزات والانتهاكات التي تؤدي بشكل أو بآخر لعنف أو استغلال جنسي، حيث أن إحدى المنشآت كان رب العمل فيها لا يُشغل إلا مطلقات أو أرامل ليتضح فيما بعد أن النساء العاملات فيها يتعرضن لاستغلال جنسي، كما وجد الاتحاد أن بعض منشآت القطاع الخاص "فيها بيئة خصبة للتحرش الجنسي كوجود كاميرات أمام حمامات النساء أو غرف الغيار أو وجود حمام النساء بالقرب من مكاتب الموظفين".
اثناء العمل على هذا التحقيق تم البحث في النصوص القانونية المطبقة في فلسطين، حيث تبين أن التحرش غائب تماما من المنظومة القانونية، سواء من حيث التعريف أو العقوبات، ما يقف حائلا أمام اتخاذ أي عقوبات ضد المتحرشين، وخصوصا قانون العقوبات الفلسطيني رقم 16 لسنة 1960.
من جانبها، أكدت دارية صالحية رئيسة نيابة حماية الأسرة أن قانون العقوبات الساري في فلسطين خالٍ من أي تعريف للتحرش الجنسي، ولا يعترف بأنه شكل من أشكال العنف الجنسي على الرغم من المعايير الدولية التي تتعاطى معه كجريمة يجب معاقبة مرتكبيها.
وتوضح صالحية أن قانون العقوبات أكد على تجريم جرائم الاغتصاب وهتك العرض وخدش الحياء العام، وتتم محاولة تكييف جريمة التحرش الجنسي مع إحدى هذه الجرائم إلا أن الإشكالية تكمن في أن قانون العقوبات يُجرم خدش الحياء العام "بالقول أو الفعل" فقط في الطريق العام، أي أن هذا الفعل أو القول إذا حدث في مكان مغلق فإن القانون لا يعتبر ذلك جريمة، وبالتالي لا يعاقب عليه.
ولا يتوقف الأمر على قانون العقوبات إذ لم تُشر أي مادة من نصوص قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000 أو قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 إلى التحرش الجنسي في أماكن العمل، كما أن مدونة السلوك الخاصة بالوظيفة العامة تخلو من أي إشارة لاعتبار التحرش الجنسي ضمن الخروقات في السلوك الوظيفي وقواعد الوظيفة العامة.
وهو ما أكدته المستشارة القانونية في وزارة العمل المحامية أنغام سيف حيث لا يمكن لمفتش العمل أن يتخذ أي إجراء قانوني بحق أي منشأة اقتصادية أو صاحبها فيما يخص جريمة التحرش الجنسي.
وتشير انتصار حمدان مديرة وحدة الرصد والدراسات في ائتلاف أمان للمساءلة والشفافية الى أن قانون مكافحة الفساد أشار إلى الابتزاز والرشوة ولم يخصص بنداً للرشوة الجنسية أو الابتزاز الجنسي أو التحرش الجنسي، وأن المطلوب هو اعتبار التحرش الجنسي جريمة فساد، خاصة في الوظيفة العامة، لأن الموظف الذي يستغل صلاحياته وسلطته وامتلاكه للقوة ويسيء استخدام هذه السلطة والقوة لأغراض جنسية فإن ذلك يعتبر شكل من أشكال الفساد.
مصدر الخبر: وطن