تداعى الائتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية ومجلس منظمات حقوق الإنسان وشبكة المنظمات الأهلية وائتلاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الذين يمثلون أكثر من (200) مؤسسة مجتمع مدني؛ إلى اجتماع موسع عقد في مؤسسة الحق لمناقشة قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى الذي صادق عليه السيد الرئيس بتاريخ 30/12/2017 وجرى نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 8/1/2018 بسرية تامة ودون نقاش مجتمعي، وهو النهج الذي بات متبعاً في إقرار التشريعات التي تمس الحقوق والحريات من قبيل القرار بقانون المعدل لقانون المحكمة الدستورية العليا وقرار بقانون الجرائم الإلكترونية، بما يدلل على إصرار السلطة التنفيذية على الاستمرار بنهج التفرد والهيمنة على العملية التشريعية، في ظل غياب المجلس التشريعي، وخلافاً لأجندة السياسات الوطنية والخطة التشريعية للحكومة التي أكدت على النهج التشاركي في العملية التشريعية.
وقد أكدت مؤسسات المجتمع المدني المشاركة في الاجتماع الموسع على أن قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى ينتهك أحكام القانون الأساسي المعدل والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية وقانون الإجراءات الجزائية، ويمس بشكل خطير بضمانات المحاكمة العادلة وبصلاحيات السلطة القضائية واستقلالها وحسن سير العدالة، ويتوجب إلغاؤه لأسباب عديدة أبرزها:
-
انتفاء الضرورة التي لا تحتمل التأخير كشرط دستوري لصحة قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى، خاصة وأنه طُرح على جدول أعمال مجلس الوزراء منذ ما يزيد على عام قبل إقراره ونشره، بما ينفي حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير ويؤكد عدم دستوريته، كما أن المبررات التي ساقتها مذكرته التفسيرية بشأن حل إشكالية طول أمد التقاضي وعدم وجود قضاة متخصصين بدعاوى الجنايات الخطرة لا أساس لها، وذلك لأن تفريغ تلك الدعاوى من أمام محاكم البداية وإحالتها إلى محكمة الجنايات الكبرى من شأنه أن يراكم الدعاوى أمامها ويزيد من الاختناق القضائي ويخل بحسن سير العدالة، علاوة على أن نصوصه لا تتضمن أية أسس أو معايير بشأن العضوية في المحكمة بما يتناقض مع الإدعاء المتعلق بالحاجة إلى قضاة متخصصين، ويتناقض مع ما نص عليه القرار بقانون بشأن تشكيل المحكمة من قضاة لا تقل درجتهم عن قاضي بداية، ما يعني أن التشكيل سيكون من القضاة العاملين أنفسهم، خلافاً لما ورد في مذكرته التفسيرية، وفي المقابل فإنه يشكك في كفاءة قضاة البداية الذين فصلوا بآلاف القضايا الجنائية، وبالتالي لا يوجد أي مبرر أو ضرورة تستدعي إقراره.
-
إن تشكيل محكمة الجنايات الكبرى بقرار بقانون مخالفٌ بحد ذاته لأحكام القانون الأساسي الذي نص صراحة في المادة (97) على أن يحدد "القانون" طريقة تشكيل المحاكم واختصاصاتها، وحيث أن المشرع الدستوري قد أسند تشكيل المحاكم واختصاصاتها لقانون أصيل يصدر عن السلطة التشريعية فلا يجوز أن تُشكل بتشريع استثنائي (قرار بقانون) خلافاً لإرادة المشرع الدستوري، وبالتالي فإن تشكيل هذه المحكمة إنما يتم بقانون صادر عن البرلمان يعدل بمقتضاه قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية باستحداث هذه المحكمة إن كان لها مقتضى، هذا مع الإشارة إلى أن المجلس التشريعي سبق وأن ألغى قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى رقم (7) لسنة 2006 لانعدام الضرورة التي لا تحتمل التأخير في إقراره ومساسه بضمانات المحاكمة العادلة، الأمر الذي يدلل على موقف السلطة التشريعية من هذا القرار بقانون.
-
ينطوي القرار بقانون على اعتداء صارخ على صلاحيات القضاء واستقلاله، حيث منح النائب العام صلاحية طلب انعقاد المحكمة في أي من محافظات الوطن وعلى نحو ملزم (مادة 3)، بما يشكل انتهاكاً لأحكام قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية اللذان ينيطا قواعد الاختصاص المكاني والحالة تلك برئيس المحكمة العليا. والحال كذلك؛ بشأن صلاحية النائب العام بطلب نقل الدعوى من الهيئة المختصة بنظرها إلى هيئة أخرى من ذات الدرجة بما يشمل مرحلة التحقيق (مادة 16) بما يشكل اعتداءً على صلاحيات القضاء واستقلاله، وتجاوزاً لدور النيابة العامة باعتبارها خصم في الدعوى الجزائية، والخصم لا يختار قاضيه، كما أن شمول طلب نقل الدعوى "مرحلة التحقيق" ينسف قواعد الاختصاص المكاني الواردة في قانون الإجراءات الجزائية وقد يستهدف البحث عن قضاة يتناغمون مع النيابة العامة في قبول طلبات تمديد توقيف المتهمين.
-
إن الاختصاصات الواسعة التي منحت لمحكمة الجنايات الكبرى وشملت الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي (مادة 6) تطرح تساؤلات حول حقيقة دور تلك المحكمة في المرحلة القادمة، مع التأكيد على أن تلك الجرائم واسعة وفضفاضة، ومن شأنها أن تؤدي إلى تسييس عمل المحكمة، وتنطوي على مساس بالحقوق والحريات وبخاصة حرية التعبير عن الرأي؛ من قبيل جريمة إضعاف الشعور القومي، وإذاعة أنباء تنال من هيبة الدولة، وإذاعة أنباء توهن نفسية الأمة، وجريمة إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية وغيرها، وتشمل الجرائم الإلكترونية، وهي مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وبخاصة المتعلقة بحرية التعبير عن الرأي بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرار بقانون ينتهك ضمانات المحاكمة العادلة، وأن عدداً من تلك الجرائم "جنحوية" ولا تندرج أساساً ضمن اختصاص المحكمة، وبالنتيجة فإن محكمة الجنايات الكبرى يمكن أن تشكل أداة لقمع المعارضين لتوجهات السلطة التنفيذية.
-
يمنح القرار بقانون النيابة العامة صلاحيات واسعة ومفتوحة تخولها اتخاذ كافة الإجراءات التحفظية اللازمة والمتعلقة بالواقعة خلال مباشرتها التحقيق الابتدائي (مادة 7) ودون توضيح لطبيعة تلك الإجراءات، وحدودها الزمنية، ودون أية ضمانات، ودون إشراف قضائي، وهي تشمل وفقاً للنص الفضفاض الأشخاص والأموال، وهذا النص يخول النيابة العامة صلاحيات إصدار أوامر المنع من السفر والإدارج على قوائم ترقب الوصول على نحو مفتوح ودون إشراف قضائي، بما ينتهك المعايير الدولية والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة.
-
يمنح القرار بقانون النيابة العامة صلاحية توقيف المتهم بعد استجوابه لمدة أربعة أيام (مادة 8) بما يشكل تراجعاً عن ضمانات المتهم بموجب قانون الإجراءات الجزائية الذي حددها بثمان وأربعين ساعة قبل العرض على القضاء، كما ويشكل هذا النص انتهاكاً لأحكام المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بالاحتجاز التعسفي، حيث أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في التعليق العام رقم (35) بالنص الصريح على أن مدة الثماني وأربعين ساعة تكفي لنقل الفرد والتحضير لجلسة استماع في المحكمة.
-
ينتهك القرار بقانون ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق بالسماح لوكيل النيابة العامة باستجواب المتهم قبل دعوة محاميه في حالات الضرورة والاستعجال والخوف من ضياع الأدلة (مادة 10) بما يشكل انتهاكاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وبخاصة قرار مجلس حقوق الإنسان رقم (13/19) الذي أكد على حق المتهم منذ لحظة حرمانه من حريته بالاستعانة بمحام، كما وأكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أن ضرراً لا يمكن تداركه يمكن أن يلحق بحقوق الدفاع في مثل تلك الأحوال (سالدوز ضد تركيا 36391/20) فيما أكدت المبادئ الدولية الأساسية بشأن دور المحامين 1990 على حق الإستعانة بمحام في جميع مراحل الإجراءات الجنائية.
-
ينتهك القرار بقانون قرينة البراءة، ويتعامل مع التوقيف باعتباره عقوبة وليس تدبيراً احترازياً استثنائياً، وذلك بالسماح للنائب العام أو أحد مساعديه بإعادة توقيف المتهم الذي جرى الإفراج عنه إذا ظهرت أدلة جديدة ضده على ذات الفعل الجرمي (مادة 11)، الأمر الذي من شأنه أن يجعل مدة التوقيف مفتوحة مع إمكانية تجديدها المتكرر بعد الإفراج عن المتهم تحت عنوان ظهور أدلة جديدة، كما ومنح النيابة العامة صلاحية إصدار أوامر الإفراج في مرحلة التحقيق بأكملها، وبالتالي فإن النص يشكل إنقلاباً على الإجراءات والضمانات الواردة بقانون الإجراءات الجزائية، ويمنح النيابة العامة صلاحيات هائلة على حساب القضاء. كما وينتهك القرار بقانون مجدداً قرينة البراءة وضمانات المحاكمة العادلة وأحكام القانون الأساسي وقانون الإجراءات الجزائية بالنص على أن الأحكام الصادرة عن محكمة الجنايات الكبرى مشمولة بالنفاذ المعجل (مادة 17) .
-
ينتهك القرار بقانون مبدأ التقاضي على درجتين، ويحرم المتهم من درجة من درجات التقاضي، بالنص على أن تُنظر الطعون الاستئنافية "تدقيقاً" فيما عدا الأحكام الصادرة بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة (المادة 19) الأمر الذي يمس بشكل خطير بضمانات المحاكمة العادلة، ويحيل محكمة الاستئناف إلى محكمة قانون، خلافاً لقانون الإجراءات الجزائية والمعايير الدولية وبخاصة التعليق العام رقم (32) على المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ضمانات المحاكمة العادلة) حيث أكدت اللجنة بأن إجراء الإستئناف مرافعة يشكل ضمانة أساسية للعدالة في صالح المتهم، بالغة الأهمية للحفاظ على ثقة الجمهور بنظام العدالة.
وعليه، فإن مؤسسات المجتمع المدني وبحصيلة اجتماعها الموسع تؤكد على ما يلي:
-
مطالبة الرئيس محمود عباس بإلغاء قرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى لانتفاء الضرورة التي لا تحتمل التأخير لإصداره، ومساسه باستقلال القضاء وصلاحياته، وانتهاكه ضمانات المحاكمة العادلة، وإخلاله بحسن سير العدالة، ومخالفته القانون الأساسي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات ذات الصلة.
-
التعامل مع محكمة الجنايات الكبرى على أنها محكمة غير شرعية، والقيام بحملة ضغط ومناصرة متواصلة بمختلف الآليات والأدوات المشروعة لنزع الشرعية عن تلك المحكمة وصولاً إلى صدور قرار بقانون بإلغائها.
-
استمرار التعاون مع مجلس نقابة المحامين لإنضاج موقف يتضمن عدم قيام المحامين/ات بالترافع أمام محكمة الجنايات الكبرى، لنزع الشرعية عنها، وتحشيد طاقات المحامين/ات لإسقاط هذا القرار بقانون.
-
مطالبة الرئيس محمود عباس بوقف إصدار القرارات بقوانين، واتخاذ خطوات جادة لوقف التدهور في أوضاع حقوق الإنسان، والبدء الفوري بترميم النظام السياسي المتصدع، وإعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية، والتحضير لإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية.
المؤسسات الموقعة على ورقة الموقف
الإئتلاف الأهلي للرقابة على العملية التشريعية ويضم في عضويته: مؤسسة الحق، مركز القدس للمساعدة القانونية، مركز الميزان لحقوق الإنسان، نقابة المحامين الفلسطينيين، مرصد السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، شبكة المنظمات الأهلية، المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة"، الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، معهد الحقوق في جامعة بيرزيت، طاقم شؤون المرأة، اتحاد النقابات المستقلة، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية "مواطن"، مؤسسة مفتاح، الاتحاد العام للأشخاص ذوي الإعاقة، مؤسسة قادر للتنمية الاجتماعية، جمعية الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، معهد الحوكمة الفلسطيني، مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"، جمعية نجوم الأمل، مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت. الهيئة الفلسطينية لحقوق الإنسان بصفة مراقب.
مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية ويضم في عضويته: مؤسسة الحق، مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، مركز الميزان لحقوق الإنسان، الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين "بديل"، مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان، مركز القدس للمساعدة القانونية، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الهيئة الفلسطينية لحقوق الإنسان بصفة مراقب.
ائتلاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ويضم في عضويته: اتحاد النقابات المستقلة، مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، الهيئة الوطنية للمؤسسات الأهلية الفلسطينية، شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، نقابة العاملين في شركة جوال والاتصالات، نقابة العاملين في شركة الكهرباء، نقابة العاملين في شركة المشروبات الوطنية، طاقم شؤون المرأة، حركة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، جمعية النجدة الاجتماعية، مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان، منتدى المؤسسات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد النساء، اتحاد النقابات العمالية الجديدة، اتحاد لجان العمل الزراعي، مؤسسة قادر للتنمية المجتمعية، نقابة العاملين في جامعة بيرزيت، نقابة العاملين في جامعة بيت لحم، الحراك الفلسطيني، مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، جمعية نجوم الأمل، ملتقى الشراكة الشبابي، جبهة العمل النقابي، كتلة التضامن العمالية، كتلة الوحدة العمالية، جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، الكتلة العمالية التقدمية، ملتقى نبض الشبابي، مؤسسة مناجل، الهيئة الاستشارية الفلسطينية لتطوير المؤسسات غير الحكومية، مركز إبداع المعلم، مركز الإعلام المجتمعي، مؤسسة بال ثنك- غزة، مسرح الحرية- جنين، جمعية الشبان المسيحية، المؤسسة العربية للتنمية المستدامة، اتحاد لجان المرأة للعمل الاجتماعي، جمعية تنمية المرأة الريفية، جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، مؤسسة لجان التنمية والتراث، جمعية الشابات المسيحيات، جمعية التنمية النفسية، مركز الهدف الثقافي، مركز الفن الشعبي، نقابة العاملين في القطاع المالي، نقابة الصناعات الدوائية، نقابة القطاع الصحي الخاص، نقابة العاملات الصحيات، نقابة العاملين في مصلحة المياه، المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني، مؤسسة فؤاد نصار، نقابة المحاميين الفلسطينيين،جمعية مركز برج اللقلق المجتمعي، مؤسسة الحق،مؤسسة فلسطينيات.