تسرق حملة (مانيش مسامح) في تونس الأضواء من أحزاب وتشكيلات سياسية ونقابية عريقة، فبنَفَسها الشبابي الثوري، وبتمسكها برفض العفو عن فاسدي نظام بن علي، يسطع نجم هذا التنظيم يوما بعد يوم.
إسماعيل دبارة من تونس: رفضت حملة (مانيش مسامح / لن أسامح) الشبابية في تونس، اتهامات "التسييس" التي طالتها مؤخرًا، مؤكدة أنها "مستقلة عن الأحزاب حتى لو نسّقت بعض التحرّكات معها"، متعهدة في ذات الوقت بالمضي قدمًا في تحريك الشارع حتى يسحب الرئيس الباجي قائد السبسي مشروع قانون مثيراً للجدل يقضي بالتصالح مع مورطين في قضايا فساد.
وعصر السبت، تظاهر آلاف الأشخاص في جادة الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس، احتجاجًا على مشروع قانون اقترحته الرئاسة وينص على منح عفو في قضايا فساد مقابل دفع تعويضات.
ردد المتظاهرون الذين تجمعوا بدعوة من حملة "مانيش مسامح" الى جانب 52 منظمة غير حكومية تونسية ودولية واحزاب معارضة، هتافات مناهضة للفساد.
مشروع القانون الذي يحمل اسم "المصالحة الاقتصادية والمالية" يقضي بالعفو عن آلاف من موظفي الدولة ورجال الأعمال الذين نهبوا أموالاً عامة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (1987-2011)، شرط إرجاعها مع فوائد.
وبدأ البرلمان التونسي نهاية الشهر الماضي مناقشة مشروع هذا القانون، وسط موجة رفض قوي من أحزاب ومنظمات، وحّدت جهودها للتصدي لهذا المشروع الذي وصفته بأنه "تبييض للفساد".
وكان المشروع أحيل في 2015 للبرلمان، لكن موجة الرفض الشعبي أجلت مناقشته عدة مرات، ويتيح مشروع القانون لرجال الأعمال رد الأموال المنهوبة بفائدة لا تتجاوز الخمسة بالمئة، على أن تجري تبرئتهم إذا أعادوا ما نهبوه من أموال إلى خزينة الدولة.
منذ الاعلان عن مبادرة الرئيس للصفح عن الموظفين المورطين في قضايا فساد، شكل شبان حملة جديدة حملت اسم (مانيش مسامح).
تعرّف الحملة نفسها بكونها :"مبادرة مواطنيّة مستقلة مفتوحة أمام كل من يريد الانضمام (...) تسعى إلى تجميع كل المواطنين وكل المكونات السياسية والحقوقية والفكرية حول مهمة سحب قانون المصالحة، الذي يبيّض الفساد ويبرّئ رؤوس الأموال الناهبة لأموال الشعب".
الرئيس الباجي قائد السبسي قال في خطاب يوم الاربعاء الماضي، إن قانون المصالحة الاقتصادية أصبح ضرورة لإنعاش الاقتصاد العليل، مؤكدًا إنه يرفض معارضة هذا القانون "في الشوارع وعبر التجييش".
وأضاف أن معارضة القانون وتعديله لا يكون إلا في البرلمان، في اشارة مبطّنة إلى حملة (مانيش مسامح)، التي تتهمها جهات حكومية نافذة بالولاء لأحزاب المعارضة والعمل لفائدتهم بالوكالة.
وتقول هيئة مكافحة الفساد في تونس إن المحسوبية والفساد التي أنهت 23 عامًا من حكم زين العابدين بن علي، قد استشرت وتغلغلت في العديد من القطاعات بعد انتفاضة 2011 وإنها تكلف البلاد خسارة مليارات الدولارات.
ويعوّل الرئيس الباجي قائد السبسي على دعم شريكه في الحكم، حزب النهضة الإسلامي، للتصديق على القانون. ولكن حركة النهضة تطالب بتعديل جذري في مشروع القانون للمصادقة عليه.
كما دعا اتحاد الشغل ذو التأثير القوي إلى التريث في المصادقة على القانون، بينما تعاني البلاد من كثير من الاحتجاجات والاحتقان الاجتماعي.
ويقول مسؤولون حكوميون إن مئات الموظفين الذين نفذوا تعليمات دون أن يحققوا مكاسب شخصية سيشملهم مشروع المصالحة، وإن الإدارة التونسية مكبلة بسبب الخوف من اتخاذ أي قرار، وهو ما يعني أن وقت المصالحة قد حان لإنعاش الاقتصاد الذي يحتاج الى مزيد من الاستثمارات.
ويوم الأحد، قال قيادي بارز في النهضة إنّ مشروع قانون المصالحة الاقتصادية بصيغته الحالية" يتطلّب تنقيحات جوهرية حتى يتماشى مع دستور البلاد"، في مؤشر على تفاعل الحزب الثاني في البلاد مع هتافات الشارع.
وقال القيادي عبد الكريم الهاروني، خلال مؤتمر حزبي: "حتى رئاسة الجمهورية صاحبة المبادرة منفتحة على مقترحات التعديل والتنقيح... لا نُمرر سوى مشاريع القوانين المنسجمة مع الدستور".
تنفي مريم البريبري، التي كانت من بين النواة الأولى لمؤسسي الحملة، لـ"إيلاف"، ما يقال عن قرب الحملة من أحزاب المعارضة. تقول: "تهمة التسييس لا نخشاها، لأننا نعي جيدًا ما قمنا به وآليات العمل التي اعتمدناها، وجود كبار رموز المعارضة في التحرك هو نتاج للتنسيق المحكم مع الاطراف السياسية المعارضة والمنظمات ومكونات المجتمع المدني الرافضة للقانون".
تضيف: "التنسيق للتظاهر لا يعني اطلاقاً التسييس أو وجود اطراف تحركنا... هذا تشويه عمد إليه رئيس الجمهورية ومستشاروه وجوقته الاعلامية لتمرير قانونهم بكل الطرق".
وتعهدت بالتصعيد في مقبل الأيام، وقالت: "اعتمدنا دائمًا الشارع للتعبير عن رفضنا للقانون، وقد نجحنا في التعريف بخطورته... سنواصل احتلال الشارع".
نقلا عن موقع إيلاف: - See more at: http://elaph.com/Web/News/2017/5/1148235.html#sthash.bL3RC3O8.dpuf